Subscribe:

Wednesday, 22 May 2013

يا هل تري .. ماذا جري؟! - حدوتة


ملحوظة : بذلت جُهداً رهيباً في سبيل وضع صورة لهذه التدوينة, إلا أن ثمة خلل ما أصاب المدونة ولم أستطع أن أضعها.. سأضعها لاحقاً, أو - إذ ربما - رأيتها علي شمالك وتحتها تعليق ما, اقرأه واعتبره جزءاً من التدوينة. لو لم ترَ الصورة, فاعلم أنني حاولت وباءت محاولاتي بالفشل.. غالباً المشكلة في الصورة! - والله أعلم


أذَن المؤذن مُعلناً صلاة الظهر, ذهبت إلي مسجدٍ يبعُد أمتاراً قليلةً عن منزلي كُنت قد إنقطعت عن الصلاة فيه لفترة من الفترات, مذ علمت أن الإمتحانات علي الأبواب تدقُّ رؤوسنا بصُداعها , ومثلي كمثل باقي الطلاب لا تطأ أقدامنا بساط منازلنا, لا أثرٌ لنا علي الإطلاق, والشيء الوحيد الذي يجمعنا ببيوتنا هو الطعام!, كُنا كالمجُهادين, من المدرسة وهذه نادرة إلي أحد زعماء عصابة مافيا الدروس الخصوصية, ومن ثمّ إما نعود أدراجنا إلي المنزل, أو تستمر حلقة الدروس علي مدار اليوم. وكان لي سابق حديثٍ مع إمام المسجد, شيخٌ كبير السن لكنه لم يصل بعد لمرحلة العجز التام, تقريباً عُمره يلهث في الستينات, في الحقيقة أنا لا أتذكر إسمه, وأيضاً هو لا يعرف لي إسماً - وهو ما فطنت به مؤخراً, لكننا سبق وأن تصادقنا وتحدثنا في أمور شتى, حتي أنه في بعض الأحايين كان يرسل سلامه مع صديقٌ لي, أو وحدثت مرة واحدة يرسل السلام مع أختي الطبيبة في عيادتها, عندما يذهب إليها ليفتّش في أسنانه الهالكة!

دخلت المسجد وكُنت تواقاً لرؤيته, شديد اللهف لمجرد السلام عليه, فقط أُسلم عليه دون أن أسرد في الحوار, لإعتقادي الجازم بأنه سيسألني عن غيابي, خاصة أن الكبار لا يتفهّمون أوضاعنا, وغالباً ما يتهموا ذلك الغياب بالإنحراف, أو اللجوء لرزيلةٍ ما أحالت بيني وبين المسجد. أخمن فقط نظرته لي .. وغالباً ما يكون تخميني لا يمُت للصواب بأي صلة, مجرد الإحتياط وفرز كل الإحتمالات وإعداد الجواب المناسب. المهم أني صليت صلاتي ورأيته يشاور لي بيده, علمت حينها أنها بداية حوار لذيذ سأحاول أن أهمش فيه السياسة ونتحدث سوياً عن أي شيء آخر مُفيد!  

بادر بالحديث عن أحوالي وأحوال دراستي, وكان ردي يشوبه بعض الرياء, لمجرد أن جاوبته بأن الوضع علي ما يرام, وهو علي النقيض تماماً!, فقد كانت ليلة إمتحان الأحياء وما أدراك ما الأحياء! - وقد عقدت النية أن أدخل الإمتحان بخمسة فصول فقط من ستة, ليس فحسب.. فقد اشتملت النية علي أن أدخلهم قراءةً فهماً بالطبع- ليس حفظاً!, المهم أني شعرت بالنفاق يتخلل الجواب, سأكفّر عنه لاحقاً بإذن الله!. استطرد الشيخ ووضح لي أن مغزى سؤاله أنّ له حفيد في مثل عمري ويريد أن يختار بين المجموعة العلمية والادبية, فكان يستوضح مني مستقبل هذه الكليات, والوظائف المُتاحة, والراحة المادية.. إلي آخره.
حددثته كيفما شاء, ووضّحت له ما غفل عنه, واتجه بناالحديث عن الشباب, ومشاكله, والسمات الأخلاقية المنبوذة التي تقوقعت في صدور الشباب, وأصبحت كالعدوي التي لا يسلم منها إلا من التفّ قلبه بوشاح الإيمان. رأيت منه تفاعلاً وقال لي أن الواقع السياسي المخزي يحول بينهم وبين إبداء آرائهم, ويقمع حرياتهم. كان ردّي نافياً لكلامه برمته, وبرهنت له أن الأزمة ليست سياسية, وأن الشباب لن يتغير إلا بإرادته وبجهده ليست بإرادة حاكمه, وإلا صار ذا خلق, حُراً مغلولاً بقيود العبيد.

رأيت استنكاراً علي وجهه, وانتبهت إلي أن ثمة بوادر للإنطلاق في حديث غير مرغوب فيه عن السياسة, فأحببت أن أنسحب من ذاك الموضوع اللعين, فاستطردت مبيناً رأيي المجمل للقضية, قُلت له أن الصمت هو الخيار الأسلم, وأن الكلمة مهما بلغت ذروتها من القوة, ووضاحة البيان- فإنها بالتاكيد ستخلق فتنة, لذلك فأنا صامت. شعرت بعدها بأن الطين زاد  بلة!, وازداد التبلد علي وجهه. وكانت الصدمة أن رأيت تعصبه الشديد معارضةً للنظام, واستمراره في إطلاق سيل من الإتهامات بعضها ليس بجديد, والآخر من تأليفه, والقليل منه كُنت من توّي سمعته من صديقي عكاشة, والعزيزة ذات النظارتين لميس!, ولو تذكرت أحداً منها لذكرته حتي ينضم إلي أقرانه من الإتهامات الأخري, وتتجمل الصورة أكثر فأكثر. لا أدري .. لكن الصدمة ليست في فحوي الكلام, فهو متعارف عليه, ووارد جداً حدوث تأويلات وتخاريف أو حقائق بالطبع!, أما الصدمة كُلها كانت في التحول الرهيب في شخصية هذا الرجل, عند بدء الحديث في السياسة, رأيت شخصية أخري جهلاً وخبلاً لا يليق بذي جلباب أبيضٍ وعِمّة.

لو لم أعد لأصل الموضوع, لكنت تحولت مجنوناً!, قلت له أن الأمر سيء جداً والأمر بلغ أقصاه من الخطورة, لكن هناك بصيص أمل, يا شيخنا لو رأيت الشباب في سنّي ماذا يفعلون, ماذا تفعل يا هل تري.. لو تري؟!, حدثته عن المُفكرين الصغار, وعن أصدقائي المُخترعين, وقلت له أنّ فلان ابتكرتقنيةً علي الهواتف الذكية, والآخر اخترع إنساناً آلياً يرسم الدوال الهندسية, ورأيت علي التلفاز شاباً أصغر مني سناً وقد اخترع جهازاً يعيد تدوير القمامة ويصنع منها طاقة. هذا كله جديرٌ أن يبعث الروح من جديد لنا, ولولا رؤيتي لهؤلاء, لكنت أطلقت علي نفسي الرصاص ( مازحاً بالطبع )!.

ردُّه كان في الصميم, قال لي: " الله يفتي عليك , كلامك زي الفل, والله يابني لسه واحد من الشباب اللي بتقول عليهم دول, معدّي عليّا بالورق بتاع حملة تمرد, وخلاني أوقع عليه, وقولتله هات شوية ورق عشان أخلّي الناس توقع معايا كمان في المسجد, بادعيلهم من قلبي ربنا يوفقهم "

ساد الصمت .. ودّعته وخرجت من المسجد, وضحكاتي وصيحاتي انطلقت دون أي مقدمات, وكدت انقلب علي ظهري مرحاً, واتسعت حدقتا عيني , لا أدري هل كان هذا جنوناً أم من فرط الذهول ووقع الكلمة!. تحسّرت بداخلي .. رفضت المقارنة المعقودة بين هذا وذاك – متمرداً كان أم متجرداً جميعهم لا يعنوني بشيء – لأنها مقارنة ظالمة.


الحياة لا تتطلب البحث في القمامة أكثر من ذلك, ستلوث ثيابك, ولن تنظف القمامة, هذه أولاً. ثانياً ..  حينما يختلط الحابل بالنابل في بلدٍ يتضح فيها كليهما, حينما يختلط الصالح الذي يعمل للرخاء بنفسه, والرغد لمعيشته, ويقظة فكره.. بالطالح العابث في ما بقى من أطلال الديار بحثاً عن دليل يدين  به قرينه ليمحي أثره, لو استمرت الحياة هكذا .. فسأبقي بعيداً ها هنا متابعاً, حتي أري طوق النجاة من الله.