Subscribe:

Thursday, 24 January 2013

السر - قصة قصيرة



كتبها : أحمد الفقى ، أحمد مُسلّم ، ياسر مرعى ..  " الأسماء مرتبه وفقاً للترتيب الهجائى ".



الســـــــر






" بحاجة للقليلِ من الراحة .. لا حرجَ من الإعترافِ بأنّ حياتي انقلبتْ علي أعقابها سوءاً, وأن ثمةَ شئ أحدثَ ضجة في ملكوتي الخاص , الكثيرُ من المفاجآت أربكت حساباتي وأجْبرتني - مُرغماً - علي الإتيانِ بنمطٍ جديدٍ لحياتي غيرَ الذي روضتُ نفسي عليه ".


لمْ أُبدِ أي إعتراض علي ما أفضي به صديقي عماد من كلماتٍ نطقَ بها بصوتٍ رخيم , كلمات تحملُ الحزنَ والمعاناة في باطنها .. أدركتُ حينها أن هذا هو السبب الذي طلب أن يقابلني من أجله , فيبدو عليه أنه يعاني من بعض المشاكل وينتظرُ مني أن أنهالَ عليه بالنصائح . ومن الجدير بالذكر وحتماً من الجيدِ , أني جئتُ في موعدي - علي غير العادة - وهو أيضاً جاء علي إثري. ولا أُخفي .. فعلي الرغم من عدم إدراكي - قبل مجيئي - بسبب المقابلة, إلا أن أساريري قد انفرجتْ عندما أصبتُ في اختياري للمكان والزمان الذي حددته له .    

علي ضفافِ النيل سرْنا معاً هائمين.. تائهين.. أشعةُ الشمسِ الناعمة تُغازل قريرة عيوننا, الهواءُ العَليلُ يداعب أجسادَنا ويلاطفها , ولا عَجَب في ذلك, فنحن في السادسة صباحِاً إذ الناس نيام والشوارع خالية. لا يشاركنا في تلك اللحظة غير ذلك الصياد ساكناً بسنارته علي تلك الصخرة القريبة من النيل, وذلك العجوز صاحب المركب الذي وقفنا ننتظره, ليأخذنا معه في جولة أستطيع خلالها أن أستمع إلي عماد  .
 
 "أريدُك أن تعرف أنه ليس من الضروري أن تفهمني, فأنت لن تفهمني.. لن يفهمني أحد, حتى أنا لا أفهمني ولا أستطيع أنْ أميزَ ما أريده.. لغزٌ غريب.. أنت لا طاقةَ بك لتتحملَ عِبئي وعبءَ حماقتي التي لا تصيبني لعنتَها الا بعد فواتِ الأوان ! . أنت صديقُ عُمري.. فقط اتركْنِي أتحدث وسأصيرُ علي ما يُرام   "


"هيا اركب! " .. قاطعتُ حديثَه عند وصولِ العجوز بمركبه  سبقتُ عمادَ إلي المركب, وأنا عقلي كاد يطير من فرطِ التفكيرِ في ما قاله لي. الحزنُ خيّمَ علي وجنته, حدثْتُ نفسي أنْ " هيا يا فتي لا تعبأ بحُزنك .. فأنت كما أنت .. مازلت الشخص الذي أعرفه .. شائبة ضئيلة علينا استئصالها ولن تترك أثراً سيئاً بمشيئة الله" .. هنا شرع العجوز في الابحار .. وبدأت الرحلة .. مع عماد   !



لم تكُن كلماتي تلك سوى محاولة يائسة لاجتثاثِ ما حاكَ في صدْره, دفعني إليها تلهُفي لمعرفة ماهية لُغزه لا رغبةً في حله. كانت الشمسُ قد بلغت شروقَها وأهدتنا أشعتها حين راح يسرد .. " تتجلى مُصيبَتي يا صديقي في كوني شخْصين ". قاطعَ حديثه ردُّ فعلِ عجوزِ المركب وهو يحدقُ بعينيّ التعجبِ كما كان حالي وقتها ، ولكنه لم يُعر اهتماماً فأتْبع.. 

" كما تعرفني يا صديقي فأنا مُولعٌ بقراءة لغةِ أجسَاد هؤلاء, وتحليلِ أفعال هؤلاء حتى إني لأتبيّن فعلَ أحدكم قبل وقوعه دون أخطاءٍ تُذكر، كل هذا طبيعي إلى أن قابلتُها - في إشارةٍ إلى مَها - فقد حاولتُ مراراً تبين أفعالها إلا أنّي أفشل دائماُ . "


لا أُخفيكم سِراً.. في بادئ الأمر حينَ ذكرَ عنْ نفْسِه قراءة الآخرين فإنما كان يصفُني ولكني ما لبثتُ أن أصابَني الخُمول لأني لم أجد بعد ما يستدعي إحداث ضجة في ملكوته, فبادرتُه بالسؤال وصولاً إلى الخاتمة. "وهل ذكرت لك كونك شخصين؟ ".. فابتسم بثغره ابتسامةً أغلقت عينيه كان مِلْؤها حُزنٌ عميق، ولأنه ناجعٌ في قراءةِ الآخرين فقد تبيّن مللي وحاجتي إلى النهاية لكنه لم يعره أي اهتمام .


" هي لم تحدثني بذلك بل نبهتني إلى كوني أُغير أحكامي وتصرفاتي في نفس الأحداث، جعَلتني أدرك أنّ ولَعي بقراءةِ الآخرين أفقدني الإنتماءَ في تصرفاتي، فأصْبحَ الحُزن لا يَرى عيني والفرحُ لا يلمسُ شفَتاي، ربما يموت هذا فأمتنع البكاء ثم أُتابع حياتي اليائسة لحظةَ مُغادرة عَزائِه وينجح هذا فأتكلّف الإبتسام لتهنئته وينجح نفس الشخص بعدها فأهنئه بحرارة، أكيلُ الأمورَ بمثقالين فأحكم على أناس من مظهرهم وأحكم على هؤلاءِ من ملْبسِهم بينما أنتظرُ لأحكم على هذا من تعامله، أنا أحمقٌ يا صديقي يحاول قراءة أفعالهم لا أكثر، ربما أكون مفتقداً للإنتماء.. ربما أكون مفتقداً للشعور.. أو ربما مها مخطئة ".


حين توقف عماد عن الكلام وجدني وقد تحولت بنظره عني، ورمى بصره ناحية العجوز فوجده وقد سكن المركب تحتنا وتوقف عن عمله تلهفاً لسماع حديثنا.. صديقي عماد انتظر رداً وجواباً شافياً لما يكنه في صدره من أسى.. للأسف يا صديقي ربما لا أحمل لك جواباً حتى في جوربي فبعد سماعي لحديثه أدركت أن الله قد أرسلني اليوم لسماع مصيبتي لا مصيبته فقد أدركت أني أقبع في تلك الدائرة التي يرقد هو فيها.. حاولت إخفاء تكدري وبحثت طويلا في أزقة عقلي عن رد قد يقلل جذوته.


"هل تؤمنون بالله؟ ".. هكذا فأجأنا العجوز بسؤاله . فبادر كلانا بسرعة - على الرغم من دهشتنا لتدخل العجوز فى الحديث - بالجواب بنعم . أستطرد بعدها العجوز وهو يستعيد التجديف "الله موجود جاحد هو من يُنكر وجود الله أيس كذلك؟ طوال حياتى وانا أقابل هؤلاء الجاحدون الذين يتبنون فكرة أن الكون خُلق نتيجة مصادفة. التأمل فى الكون يُفضى إلى حقيقة أن كل شىء مُرتب ومنظم بصورة دقيقة تجعل من الصعب على العقل والروح الإيمان بأن كل هذا نشأ نتيجة المصادفة أليس كذلك؟ تكمن المشكلة ان العلم أتاح لهؤلاء الجاحدين دوماً المخرج العلمى الممزوج بالفلسفة الذى يُفسر نشأة الكون فى ضوء علمى بعيداً عن وجود إله عظيم أحدث كل ذلك وهنا تأتى وتتجلى العلاقات الانسانية ومدى دقتها والهدف من وجود كل شخص فى حياتنا إلى حقيقة ان الله موجود!. الموقف الآن ان صديقً لجأ إلى صديقه المُقرب ليشكو إليه همه وسره فى تفانيه من اجل الاخرين وخوفه من عدم تملكه لهوية وانتماء واضحين والأهم الشعور. وصديق أخر يستمع فى إتزان ليجد حلاً لصديقه فيكتشف انه نفسه لم يجد حلاً لتلك المشكلة الذى يعانى منها أليس كذلك؟! "

صمت كلانا ونظر بعضنا إلى بعض فى دهشة ومن ثم نظرنا إلى العجوز مرة اخرى، فأستطرد مكملاً حديثه والإبتسامة تملىء فِيه  .. 


  " لنقل أن هُناك ثلاثةَ أشخاصٍ على هذا المركب يعانون من نفس المشكلة!، أنتم تخشون مما أنتم فيه، كأن يكتشف المرء قوته الخفية فيظن انها مرض مميت حتى يتعلم كيف يروضها ويُفيد بها الأخرين وحينها يُدرك أنه بطلاً.. من منا لا يرغبُ فى أن يُصبح بطلاً؟ ولكن تخشون فى لعب دور البطولة أن تفقدوا انفسكم لأنها أصبحت ملكَ الآخرين أليس كذلك؟ لا بأس ستفْقدون أنفُسكم!، ولكنكم ستُوجِدون لأنفسكم الوقتَ الذى تتأملون فيه وحدَكم وستصْنعون لأنفسكم أوقاتَكم الخاصة. هل فكرتم يوماً ما الهدف من وجودكم على تلك الأرض؟ هل جربتم يوماً أن تبحثوا عن السر الذى من أجله خُلقتم فى كل تلك الوجوه التى تحللون؟ تلك الوجوه التى تستطيعون أن تستشفون ماذا يخبئون فى روحهم؟ ولا يعاجلنى أحدكم بكلام الإسلامين وهم يُخبرونكم بإيمانهم المزيف أننا خُلقنا من أجل عبادة الله فقط، أصلحْ عبادتَك مع الله وستجدُ أنّ كل شىء على ما يُرام. نعمْ خُلقنا منْ أجل عبادةِ الله أولاً ولكن هناك سبب أخر. ألم تفكروا فى ذلك قط؟ ألا تشعرون بالفخر وأنتم تُخففون عن هذا وذاك، وأنتم تستطيعون وفى أحلكِ مواقفِ الآخرين أنْ ترسِموا البسمةَ على شفاهِهم؟ ألا تشعرون بالفخر الحقيقى وأنتم تكتسبون ثقةَ الأخرين فى يُسرٍ وسهولةٍ وسرعةٍ؟ ألا تشعرون بالفخر الحقيقى وأنتم تسْتنبطُون أفعالَ الآخرين وتٌحللون وتنصحون الآخرين بتجنُبِ هذا وذاك بسبب كذا وكذا؟ ألا تشعرون بالفخر الحقيقى والمغزى من وجودكم على هذه الأرض. لقد خُلقتم لترسموا البسمةَ على الشِّفاه. لتَمنحوا الأملَ للآخرين .. تَدبْرُوا فى علاقتكم الإنسانية وانظروا إلى الماضى وتأملوا كيف كان وجودُكم مؤثراً فى حياة الأخرين. تتسألون عن افتقادكم لإحساسكم؟! أنتم حمقى يا أولادى فالعُمر لا يُحسب بعددِ السنوات التى تُعاش بلْ بعدد المشاعرِ التى نحس .. وأنتم فى كل يوم وكل ليلة تتلقون العديدَ والعديدَ من المشاعر، سأخبركم سراً! أنا لست صاحب ذلك المركب، لستُ صياداً من الأساس.. لم أفهم ما الذى دفعنى منذ خمس سنوات إلى أن أُمارس تلكَ العادة صباحاً.. ربما هى تلك الرغبة فى أنْ أمتلكَ وقتى الخاص لنفسى لأُخططَ لحياتى ولَأتأمل ولِأنتمى إلى نفسى ولكن اليوم أدركتُ السرَ وراء تلك العادة، اليوم إزداد يقينى بأن الله موجود، فكل شىء محسوب وبدقة بالغة فتأملوا فى علاقتكم لعلكم تجدون الراحة النفسية التى تنشدونها " .



 تمت

24-1-2013


Wednesday, 5 December 2012

" قطار " .. قصة قصيرة



ثمةً مقعدٌ فارغ في أدني العربة , أتفادي بحماقةٍ كلُّ من أمامي سعياً إلي الوصول اليه .. إنه يسكنُ كالملكِ في أوسطِ العربة . أعلم أنه من المفترضِ بي الجلوسَ في الأمام حسبما هو مكتوبٌ في تذكرتي..  لكن بئسَ ما أفعل !  ولماذا أرمي بنفسي الي ذاك المكان الوحل , انا لا أحتمل ازعاج المارة , والداخل والخارج ومن فقدَ عينه ونسي أن يغلق الباب خلفه  , ناهيك عن دخانِ التبغ المتصاعد من أفواه المدخنين الواقفين بجوار الباب . ولا أستثني حديثي هؤلاء الثيران المتبجحين ذاك الذي يخرُجُ دونَ ان يُغلقَ البابَ خلفه ! حسْبي أن أشمرَ عن ساعدي وألكمه لكمةً فولاذيةً   أُخرج بها حنقي المكتوم عن فعلته المستفزة . لا أطيقُ – فعلاً – الجلوس في الأمام , أنبذه بشدة , وحظي التَعِسْ أنّي أجلس فيه كثيراً .. حتي فاضَ بي , وذُقت ألواناً من التجارب كانت كفيلةً بأن ألعن تلك المنطقة بأكملها ..

خَطَرَت هذه الأفكارُ .. وأنا مازلتُ في طريقي لذلك الكرسي الفارغ ..
ليس مقعدي , لكني سأقنع الرجلَ الذي يفحص التذاكر بأن جلوسي هنا لن يضر ..
وإن استوجبَ عليّ القيام , فلن امانع مطلقاً

طرحت جسدي بقوة علي المقعد وأطلقت تنهيدة تنم عن مدي انهاكي , فمنذ الصباح الباكر وأنا أجوب الشوارع كالقطط  أنهي مستلزماتي الدراسية , استغرقت قرابة ال4 ساعات .. بعدها فكرت ملياً في امكانية السفر دون العودة الي البيت . وعلي الفور طلبت سيارة أجرة وهرعت الي محطة القطار .

يا الهي .. لم أشعر بهذا الكم من الارهاق من قبل , وكيف وانا مازلت في بداية الطريق ؟!
الطريق طويلاً والقطار ما لبث أن تحرك من توه
الآن أتريث قليلاً .. نفساً عميقاً أكرره 3 مرات , ومن ثم أخرج روايتي العزيزة من الحقيبة وأفتحها , وأميل برأسي علي النافذة المجاورة لأمارس هوايتي المعتادة : أتأمل الطريق من النافذة تارة , وأكمل القراءة  تارة  أخري ..
 وهكذا دواليك حتي نهاية الرحلة ..

رفعت جفوني الراية البيضاء  .. وسلَّمت نفسها للنوم ..
علي صدري وضعت الكتاب دون ان اغلقه ..
يبدو أن القدر يحول بين نومي الهادئ
والآن ..
 يكون الرحيل الي العالم الآخر
عالم اللا وعي 
ـــــــــــــــــــــــــ

الشارع هائجٌ بأفراده .. لافتات مُعلقة تحمل عبارات ثورية خالصة , مكبرات صوتية تصم الآذان , الآلاف من المواطنين يقفون عبر الشارع الرئيسي في نفس الوقت الذي تضطرب فيه السيارات وتبدأ في اطلاق أبواقها المزعجة لتكمل المشهد الهزلي , أصوات الهتافات تعلو ..
عروقه تظهر بشده .. وجهه شديد الاحمرار .. صوته يكاد يصل لأبعد مدي .. محمول علي عنق احد المواطنين .. يشوح بيديه .. ذلك الفتي يبدو مثيراً .. علي الرغم من حالته المزرية الا أنه يبدو أنيقاً بشاله الملفوف حول عنقه , يعطيه مزاقاً ثورياً رائعاً ..

كم كنت اتمني أن أبقي لوهلة حتي آري تداعيات الأمور .. لكن أنظر الي ساعتي
لم يتبق وقت حتي أصل الي المعهد ..
ومن ثَمّ فكرت في أن آخذها عدواً .. وبالفعل !
في بضع دقائق كنت قد وصلت

فجأة أُعلنت حالة الطوارئ في المعهد .. الضباط يخرجون الطلاب من المخرج الاحتياطي
تحدثت الي احدهم وأخبرني أن ذلك حمايةً للمواطنين .. توقعاً لحدوث اشتباكات الآن مع الأمن ..
يا للهول ! .. بالفعل أرى جموع كبيرة من العساكر تتحرك تجاه المتظاهرين  ..

يبدو أن الأمور تزداد سوءاً فسوءا ..
ثمة أشخاص يتحدثون عن شغب سيحدث الآن ..
زخم يملأ الشارع ..
لكن لا شئ يحدث ..  مجرد وقوف من جهة الأمن بجانب المتظاهرين حسبما رأيت بعيني
أخبرت الضابط أنه لا وجود لشغب سيحدث ولكنه وضح لي أن اغلاق المعهد اليوم حفاظاً علينا إن حدث شئ ما ..
أبديت أسفي أمامه ووضحت له انني لست من أهل المدينة .. فتعجب !

غادرت ..

أنا الآن موقعي بجانب المتظاهرين .. اتابع !

البعض يعلو بالهتاف .. ومجموعات متفرقة تتناقش مع بعضها وقد تحتد المناقشات وقد يصل بعضها للسباب - لا يهم .. ما زال امامنا الكثير من الوقت - .. شابٌ يقف علي عمود مرتفع يواجه المظاهرة  , ويتشعلق عليه شبيها بالقرد , ينظر في عدسة كاميرته بطريقة تنم عن براعته .. ثمة قناة تليفزيونة يبدو انها تتحدث مع الناس , والمراسل يقف بين نار مسئول قناته الذي طلب منه أن ينجز التقرير , وبين نار الشباب الذي يسخر من المراسل ويتدخلون في اللقاء بصورة طفولية عبثية .. ولا يدري ماذا يفعل المراسل ليتخلص منهم .. موقفٌ مضحك للغاية !

أغادر موقعي وأشرع في السير .. حتي أبتعد قليلاً عن موقع الحدث .. ما زلت أري جموع المتظاهرين من بعيد !

قطاري سيغادر العاشرة  ..  و الآن هي  تدق لتعلن انها السابعة  ..

 مازال هناك متسعٌ من الوقت

أتوجه الي كافية قريب .. واطلب فنجاناً من القهوة المظبوطة .

الآن بدأت عملية المسح , الدخول علي شبكة الانترنت وذكر ما رأيت من احداث ..
أيضاً مُتابعة مستجدات الأمور في باقي المحافظات .. قتلى ؟ اصابات ؟
هذا ما عهدناه الفترة الماضية ..
أشكال الدم وألوانه لم تغب كثيراً عن أعيننا ..

الآن جائت القهوة تتراقص في فنجانها .. كم أتلذذ برؤيتها , أرتشف بعضاً منها .. وأكمل ما بدأته ..

أتابع الأخبار علي شبكة التواصل الاجتماعي ..

هناك من يتحدث عن شغب .. مظاهرات تتعرض للقمع .. ياا للأسف ! 
لحظة من فضلك  ! .. عُنفٌ وشغب في المنطقة التي أتواجد بها ؟ .. لكني لا أري شيئاً مما هو مكتوب .. " يا سيدي انني في موقع الحدث ولا حقيقة لما تقوله " هذا ما رددت به
اجد صفحات كثيرة بدأت تنشر خبره الذي أشعل الموقف واحدث ضجة
الخبر غير صحيح بالمرة .. وهذا ما أكدته لهم ..
وكأنني أصطاد من مياه متعكرة .. لا جدوي من ما أفعل
والعجيب أن الأقوال بدأت تتضار ب , هناك من يقول ان الاخوان هم من بددأوا الضرب , والآخرون يتحدثون عن الثوار أنهم هم من بدأوا بالضرب , وكل هذا أمامي وأنا أضحك واجلجل بالضحك .. لاهم باخوان ولا ثوار يا سادة , ليس هناك شيئاً من الأساس ...

افعلوا ما بوسعكم فهذا ليس بجديد علينا كمصريين ..

أغلقت جهازي ووقفت من توي , واعطيت للفتي ثمن القهوة التي شربتها وغادرت .
الأمور ليست علي ما يرام ..
يبدو أن توقعات ضباط المعهد كانت في محلها ..
أري تجمعات أخري من أهل المنطقة يحملون أسلحة بيضاء  ويتوجهون الي محيط المظاهرة ..
اللعنة  !

 من المستحيل أن يكون ما قرأته علي النت سبباً في هذا , يبدو علي تلك الوجوه أنها لا تفقه شئ في الكمبيوتر من الأساس , لكن كيف هذا يحدث ؟ أسأل عابر سبيل فيقول لي أن بعضاً من المتظاهرين قد ضرب شاباً من أبنائهم لاعتقادهم انهم ثوار ! انها مؤامرة اذن .. هؤلاء الطائشين يحسبون أن المتظاهرين اخوان وهم ليسوا باخوان , ويتحدثون عن انهم يقتلون وينهبون , وسرقوا البلاد لأنفسهم .

اقتربت الأهالي من المظاهرة وأظهروا أسلحتهم , والشباب عندما رأوا الأهالي يقتربون بدأوا  بالهتاف " يسقط يسقط حكم المرشد " .. ويقولون " لا للاخوان " . ما هذا المشهد الهزلي ؟ , كلاهما يحسبون الآخر انه اخوان ولا وجود للاخوان من الأساس , رائحة الدم يبدو أنها ستكون البطل , ألا يوجد أحد من المسئولين ينقذ الموقف ويحل تلك الأزمة ؟ وماذا عن الأمن .. في الآونة الأخيرة أصبح الأمن لا يتدخل في مثل هذه الأمور , ويقف كالمتفرج , وهذا ما حدث بالفعل .. لم يتدخل احد منهم لأنهم من يلبسون التهمة في النهاية , ويقومون بعزل مدير الأمن .. الخ !

اذن لا حل .. الصراع بدأ يحتدم .. أسلحة بيضاء .. طوب .. شوم .. ضرب .. اصابات .. شباب محمول علي الأكتاف .. أبواق سيارات الاسعاف .. هرج ومرج .. محلات تغلق أبوابها .. فلاش الكاميرات يبرق في الظلام ..

ابتعد عن الحدث خوفاً علي اصابتي ..
أجري .. أجري ..
أنظر ورائي لأجد طوبة تصطدم بوجهي ..
أصرررخ .. اااه


ـــــــــــــــــــــــ

أيقظني رجل كبير يجلس بجانبي في القطار , وراي علي وجهي هلعُ وخوف , ما هذا الكابوس ؟  يبدو أنني كنت أحلم , هدّأ من روعي وقال لي استعذ بالله يا ولدي من الشيطان الرجيم , فعلت ما قال لي , وأعطاني زجاجة  مياة  لأشرب .. تذكرت ما رأيت في الحلم


 " ليس حلماً بل حقيقة .. أزمة عميقة .. بين أبناء دولة عريقة .. كانوا يخشوا أن يُذكروا في التاريخ علي أنهم شعبٌ يخشي الكلام .. كسروا حاجز الصمت .. تحدثوا وتكلموا .. أحدثوا ضجة .. تكلموا وثرثروا .. أصدروا ضوضاء تصم الآذان .. "  

أحمد الله  علي أنه كان كابوساً , فلو أصابني شئ لكانت الطامة الكبري ..
بالاخص أنني لا أتمني ان أموت في مشهد كهذا يراه البعض علي انه موقف بطولي وهو ليس بذلك ..

مازال الرواية ملقاة علي صدري .. أكمل القراءة ..
هاتفي يرن فجأة .. انها أمي !
أهلاً أمي .. بالفعل قاربت علي  الوصول .. ماذا ؟ هناك ضربٌ في محيط المحطة ؟ بين من ومن ؟ اهاا لا تعلمي اذن .. لعله خير .. لا تقلقي لن أقترب .. حاضر .. سأهتم لحالي .. وداعاً

ـــــــــــــــــــــــــ



Friday, 31 August 2012

سبتمبر .. شعااع نور




حان الوقت لبدءِ وضعُ القلمِ علي الورق , ومع أول نقطة حبر تسقط عليه تتضح معالم الطريق ... حيث لم يتبقَ إلا القليل وتزعجنا أجراس الساعة بدقاتها معلنة عن اللحظة التي أنتظرها بنهم . أتيحت لي الفرصة لأبدأ في كتابة هذا الموضوع في العديد من المناسبات وأوقات الفراغ التي أفتقدها كثيراً في الأوقات الراهنة , لكن لا أدري ! فكلما أشرع في الكتابة لا تلهمني جوارحي , قد يكون لعدة أسباب أهمها أن الملهم هو الله  , مع أسباب تتعلق بكوني أفقد السيطرة علي نفسي وأكتب في أوقات يرفضها عقلي الواعي وأيضاً اللاواعي . والله يعلم ويشهد أني جلست كثيراً مثلما أجلس الآن لأكتب ما أكتبه الآن .. لكن ما باليد حيلة . أنظر الي الورقة فارغة .. عيني تحدق عليها ...  أُسندُ رأسي بيدي مُفكراً ... أحياناً أدق عليها - رأسي -  بشدة ... وكأن المعلومات  تنتظر هذه الخبطات لتخرج ... إنه لسخف أن تجبر عقلك علي اخراج ما بداخله مُرغماً ... كثيراً شعرت بالتوتر والجمود العقلي وأدركت حيناً أن خيط الأفكار قد انقطع .. وأنها فترة جمودٌ عقلي لن أستطيع خلالها أن أكتب شيئاً حتي يتريث هذا المخلوق المفكر - العقل – حتي أمهلته فترة كافية عُدت بعدها لأحدث نفسي مجدداً .

عودة الي الوراء قليلاً ..

قالوا عن الماضي بأنه أسود , وأنه لا يفيد ولا يأتي الا بالمصائب تدق علي رؤوس أصحابها . وأن اليوم مهما عكرته الظروف فهو أنقي من الأمس , وأن ماضي الانسان لن يُحدث تغييراً جزرياً في حياة بني البشر .
إلا من رحم ربي .. فمن نظر للماضي .. نظر بعين متيقظة , وعقل ناضج , وروح مُلهَمة .
حتي هؤلاء فينظرون للماضي بعين علماء ومؤرخين , وباحثين في التاريخ ...
دعك يا صديقي من هؤلاء السُذج أصحاب النكد والكآبة .. كل نظراتهم للخلف يصاحبها دمعة هُم في غنى عنها , هؤلاء تحاصرهم الدوامة .. دوامة الماضي الحزين الكئيب .. ولا يعطون لأنفسهم الفرصة لينقذوا حياتهم منها ..
هذا النوع بعيداً عن حساباتنا ..  ولا نلقي له بال

نظرتي للماضي يمكنك ان تستنبطها من خلال النقاط القليلة القادمة ..
لا تمل وأكمل القراءة ..
فقد بدأت الرحلة بصحبتي فلا تتركني تائها ..
أكمل أكمل ..  وقليلٌ من الشفقة
والتريث ... 

اللحظة التي تنتظرها ..

هل أدركت الحظة الفارقة في حياتك ؟ ... هل واتتك الفرصة ؟ .. أتدرون أن لكل فئة وكل طبقة علي وجة الأرض لها لحظة تفرق بين ماقبلها وما بعدها .. فالعالم قبل الحرب العالمية الثانية غير ما بعدها .. ومصر قبل الثورة غير ما بعد الثورة .. بيتنا قبل الدهان غير ما بعد الدهان .. ازداد جمالاً وحسناً بعد أن ملأه قبحاً !
قبل سبتمبر .. وما بعد سبتمبر
لا أدري من أين أبدأ وبأي حرف سأنهي الحديث !
سبتمبر .. هذا الشهر المُلبد بالأحداث المثيرة .. تاريخياً أيضاً
نقطة فاصلة في حياتي لن أنساها مطلقاً ...
كثرت التجارب المؤلمة .. مؤلمة بحق ! .. لكن أهنئ نفسي , لأن الثمن الذي دفعته الآن أرخص بكثير من ما كنت سأدفعه في المستقبل , العواقب ستكون وخيمة وربي أعلم بحالي حينها وبمقدرتي علي حلها ... حدث ما حدث وزادني يقيناً بأن التعلم لا يأتي إلا " عملياً " ليس " نظرياً " .. هيا خُض التجربة .. حاول وغامر وانتظر النتيجة .. وأحكم بنفسك .. ستجد التجربة  أعطتك الكثير ..
جربت الكثير في سبتمبر ورأيت بأم عيني كم نحن حمقي .. منساقون للغرب كالبهائم , فرحون بالموضة والأزواق , نُقلد تقليداً أعمي .. حتي في ما يخالف ديننا .. جربت وحمد ربي كثيراً علي هذه الفرصة .

أنشودة حب لربي أدندن بها .. أذكر أني سجدت في مرة ومر أمامي شريط تسجيلي بما كان قبل سبتمبر وما بعد سبتمبر .. نظرت للفارق .. دمعت عيني من هول الحدث .. الخطأ فادح .. لكنه يُغتفر ..
مازلت في سجودي وقرأت " قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله " .. قبل سبتمبر لم يكن لها طعم , الآن وبعد مرور عام كامل والآية لها صدي مختلف , حقاً الرحمة موجودة ومازلت أطلبها .. وفي سبتمبر كانت لحظة الوداع بيني وبين معصية صاحبتني كثيراً وعذبتني عذاباً أليماً ... حمداً لله !
سبتمبر ... حروف أتذكرها بشعور مضطرب .. لا أدري أواجب عليّ أن ابتسم لهذا التغيير .. أم أترك الدموع لتشفي غليلي قليلاً .. فنفسي تصعب عليّ  .. كم تآذت !  
نظرتي للماضي كما ذكرت هي سبتمبر ... لا أري غير سبتمبر
نظرة حالمة .. بأن القادم أنقي
قد تكون نظرة تحذير وتنبية ... إياك أن تعود !

الأحداث لا تنتهي ... والتجارب كثيرة جداً ... تحتاج الي رواية
وأيضاً سأظل محتفظاً بالقليل لنفسي ..
فأنا أوهب نفسي مميزات تميزها عنكم ..
فهي تحتاج للترويض .. وأنا اتودد اليها كنوع من الترويض

هذا الشهر هو شهر ميلادي .. فأنا ولدت فيه
لكن الآن له طعم مختلف
يوم ميلادي سأحتفل به كما أحتفل الآن بشهر سبتمبر
سأنتظر أشياءاً تتغير في شهوراً أخري حتي أسجلها في تاريخ الفتي الساذج !
الماضي أسوأ من الآن ..
والآن أسوأ من الغد
هذا ما أراه
وهذا ما أريده .. والكل يريده !
ابدأ واصنع سبتمبر لنفسك .. وأوعدك ستفرح كثيراً عندما تري التغيير الذي تريده