ملحوظة : اذا لم تقرأ الجزء الأول من القصة فبادر بفتح الرابط لقرائتها قبل أن تقرأ الجزء الثاني منها , حتي تفهم الأحداث ! .. ودمتم
(
2 )
استيقظ علي صوت هاتفه يرن بجانبه , نظر للساعة فكانت
السابعة صباحاً , تأخر كثيراً عن المعاد المحدد , نظر للهاتف فوجد لؤي هو المتصل
فأدرك أنه سينهال عليه بسيل من التنكيل واللوم علي التأخر .. فلم يرد عليه ,
واكتفي بأي يُسرع خطوته حتي لا يتأخر أكثر من ذلك ..
وصل الي الحديقة وكانوا كُلهم حاضرين , لؤي وخالد وهدير
ولم يكن نديم قد حضر بعد , إلا أن لؤي أخبره أنه علي وصول فاطمئن قليلاً . المناخ
العام مُريح نفسياً فهذه الأشجار الفارعة التي تلتف حولهم من جميع الإتجاهات
أعطتهم احساساً بالأمان , وكأنهم يرتمون بأحضانها ! .. يكفي هذه الأزهار الملونة
.. يفكر مليّا في أن يقطف بعضها لزوجته .. تلك الحمامة التي تحلق حولهم لفتت
انتباهه , فهي تقترب أكثر وكأنها حاضرة وسطهم , لم يستطع أن يفسر ذلك .. إلا انه
سرّ باختيراه هذا المكان الرائع ..
أخيراً وصل نديم .. وكالعادة شاحب الوجه , هزيل الجسد ,
عيناه تعلو بقعاً سوداء كالتي تبدوا علي المصابين بالأرق , إلا أنه ليس علي
شاكلتهم , فتلك الجثة الحية الواقفة أمامهم أدمنت الخمر والسكر ..
جلس وسطهم وبدأ ابراهيم الحديث : " أعتقد أن حال
العائلة بلغ أقصى درجات الخطورة , مجرد ابتعادنا عن بعض هذه مشكلة , فما بالكم
وأنتم لا تكتفون بالإبتعاد , بل توقعون بين بعضكم البعض , أتنتظروا ان يهدم الكيان
الذي تربينا فيه وعشانا فيه أطفالاً نمرح , ثم نأتي بعدها نبكي علي أطلاله ؟!
أجابت هدير : " عن ماذا تتحدث يا صاح ؟! كيف تتحدث
معنا بلهجة عتاب وانت تعيش في رفاهية ورغد ونحن ذقنا ألوان المشقة والكد ؟! أُنظر
لبيتك وحالك وقارنه بما أُبتلينا به نحن , لا تتحـ ..
قاطعها ابراهيم في حدة : " كفي ! اخرسي .. أنتي من
جلبتي العار والشؤم لنفسك ولغيرك , تتحديث عن بيتي وهو أعزُّ من أن يُذكر علي
لسانك , لسنا سارقين أو عابدين للمادة وللمال مثلك , نحن من جلبنا السعادة لأنفسنا
.. بأيدينا .. لأننا أردناها حقاً أولا تذكري حالك سابقاً , ماذا فعلتي بالمال وهو
في حوذتك ؟ لم تنفقيه سوي علي اللهو والمجون , وألقيتي بنفسك في هوة العذاب ..
بإرادتك !
لا أحدثكي وحدك .. بل أُحدثكم جميعاً , فماذا فعلت بنفسك
يا نديم بعد أن رباك أبوك علي الأخلاق والقيم , ألا تفيق لنفسك وتدرك الصواب ,
خوفاً علي أولادك قبل أن يتشرّبوا صفاتك , تترك زوجتك وتهيم ليلاً في الشوارع
بحثاً عن فتيات ليل !! بلا حياء او مروءة . ووصل بك الحال لأن تمد يدك علي مال
أخيك لؤي لتكون سارقاً أنت الآخر ..
أصبحنا سارقين يا سادة ... سرقتم السعادة من قلوب أولادكم بعد أن رأوا منكم
أفعالاً يعيب عليها الضمير والحياء , خُدعوا فيكم بعد أن كُنتم مثالاً يُحتذي به
.. ماذا بوسعهم أن يفعلوا سوي أن يكبروا ويقترفوا نفس الأخطاء . وإصبع اللإتهام
سيكون موجهاً تجاهكم .. "
عماد يستكمل الحديث : دعنا نجد حلاً للمشكلة يا ابراهيم , فالكلام لا
يُجدي ولا يفيد , أنا اري أن نكتب ميثاقاً بيننا نوقع جميعاً عليه , ونرجع إليه
ساعة الإختلاف , ينص هذا الميثاق علي أن يحترم ...
قاطع لؤي : ليست سديدة هذه الفكرة , فالمشكلة أكبر من
كوننا لا نحترم بعضنا البعض , أعتقد أننا بحاجة لأن نعيد الروح مرة أخري بيننا ,
فإبتعادنا عن بعض قد يكون هو السبب الرئيسي في انحراف البعض عن مسار العائلة .
هدير قالت في صوت رخيم وقد مالت برأسها لأسفل : من رأيي
أن تكفّوا عن ذكرنا بالمنحرفين والمنحطين , فلو كنا كذلك لما جئنا لنتحدث سوياً ,
أعلم أني قد تسببت لكم ببعض الحرج ... لكني لا أتلذذ بأفعالي لو تعلمون ! ..
أرجوكم .. لا تنبذونا بهذا الشكل لأن كلامك له تأثير السُم ...
عمّ الصمت الجميع ...
هذه اللحظات يحتاجون فيها الي سيمفونية حزينة يلعب بها
العازف علي الكمان .. ربما , موسيقي ... حديقة .. أزهار .. أشجار , مشهد درامي
مناسب تماماً لتلك اللحظة من السكون , الحمامة ؟؟ مازالت تحلق فوقهم .. لكن هذه
المرة يصحبها حمامة اخري ..
تذكرها إبراهيم .. فظل يحدق فيهما بعينيه كثيراً .. يبدو
أنهما – الحمامتين - يتسابقان .. فمرة
يقفون علي غصن الشجرة ويقتربون مع بعضهم وكأنهم يتناجون , ومرة يحلقون في الهواء
في آن واحد ... وهكذا دواليك ! وما أدراه أن الحمامتين أصدقاء لبعضهم , فلربما
كانوا عائلة واحدة , ولو كانت كذلك فهي تختلف عن أي عائلة , عائلة نموذجية بالطبع
تسمو فيها القيم الروحانية التي حباها الله فيهم ... وهما حيوان ! تأكد من ذلك
عندما وصلوا الي غصن الشجرة مرة أخري , ولم يكن يلحظ ذلك العش الصغير وحمامة صغيرة
ترقد فيه بسلام , يحفها أبوها وأمها ..
حدث إبراهيم نفسه ..
" ثلاثة حمامات .. هذه الأسرة قد تكون مثيلة لأسرتي
, ولم لا وأنا وزوجتي وأولادي يملأنا الحب أيضاً , ونعيش في كنف بعضنا البعض في
سلام وأمان .. "
نظر ابراهيم الي باقي أخوته في مجلسهم ..
ونظر مجدداً الي عش الحمام .. واستطرد :
" الا أنه من المستحيل ان يكون اخوتي كذلك .. فهذا
الحيوان يفهم معني الحياة عنهم , من وجهة نظره أن الحياة عبارة عن أسرة صالحة
يحضنون بعضهم , ليست الحياة مالاً أو لهواً او لعباً كما يعتقدوا هم – أقصد اخوتي
, ليس أخوتي فحسب , فهذا حال معظم الأسر المعاصرة , لا لا هذا حال البشر جميعهم ,
بشر يملأهم الحقد والفجع وعبادة المادة ... يا الله ... أبوسعي أن أسيطر علي هذا
الحمام وآتي به لكي يعطي لأخوتي درساً يتعلمون منه مدي الحياة .. كيف لي ذلك !!
"
قال عماد : أوصلتم لشئ .. ؟
ردت هدير : اتركوني أفكر قليلاً .. ما رأيكم أن نجتمع
غداً نكون قد فكرنا قليلاً ؟؟
وافق الجميع علي هذا الإقتراح ..
سمع إبراهيم ما قالته , وأومأ برأسه إيجاباً , ولم يبد
أي اعتراض .. بل قام من علي كرسيه واستأذن بالمغادرة , غادرهم وأساريره لم تكن
منفرجة بعد .. فهو يعلم أنهم يماطلون في إيجاد الحلول .. كالعادة !
لم يذهب إبراهيم إلي بيته ..
بل قصد الشجرة التي بها الغصن ..
جلس تحتها ..
جلس وسط الحمام .. وسط السلام والمحبة ...
طفق يحدق فيهم ..
أغمض عينيه قليلاً .. و أخذته سِنَة
فجأة .. سقطت علي رأسه ثمرة كبيرة للغاية مصدرها الشجرة
.. صرخ بشدة وأمسك رأسه من فِرط الألم .. وعندما فتح عينه وجد نفسه علي سريره ..
في غرفته ..
صرخ : أين أنا ؟؟
جائته زوجته ... وقالت : أهوَ كابوس ؟؟
هياا قم فتوضأ حتي أُحضّر لك ملابسك التي ستذهب بها إلي
اجتماع عائلتك ..