ولأنّها زهرةٌ، اخترْتُ لونَ الخطَّ لائقاً بها.
مؤكد .. لنْ تصل!، إلا لو اغتالني الغدْرُ كيف اغتالكي،
وشاء القدر.
حينها .. سأقرأها عليكِ شفاهيةً، وأعيريني- يا من جعلتي الدنيا بأسرها تُعيرُكِ الإنتباه -
أعيرينِي الإنتباه. سأهديكي البرقيةَ بعد
الإنتهاء، ومعها مُصحفاً. أما البرقيةُ فعلّقيها إنْ شئتِ، وإنْ شئْتِ فعطّريها
برائحةِ المسكْ، واحفظيها. والمصحفُ، فاقرأي منه ما قال ربّك في الرجال الصّادقين
ما عاهدوا الله عليه، فمنهم – مثْلك – من قَضى نحبه، ومنهم – مثلي أنا – من ينتظر.
وإن سئمتُ الإنتظار، فستغّتالني الكلمات، وترميني الحروف بسهم الاحتضار.
تسأليني من أنا؟، أنا – يا من زيّنتي بصورتك الميادين -
من اشتمّ عطرَ دمِكِ النفيس الغالي عندنا، الرخيصَ عند الشامتين، أنا - وإن كُنت غائباً
مُتخلّفاً عن مسرح الجريمة - من جَثى علي قدميه كي يحفّ الدماء ويلملمها باصابعه
المرتعشة، ( لا بأس بالحلم ) !
أنا من لا يعرفك يا زهرة الميادين، لم ولن أعرفك، فالـ (
لم ) لأنك بعيدة، وأنا بعيد، وكل الشهداء عنّي أغلبهم بعيد. والـ ( لن ) لأن
المقتول غدراً لن يحيا في دُنيا رخيصة كدنيانا.
أنا الثائر على قاتلِيكِ، أنا الثائر علي ظالمِيكِ. أنا
الثائر لأجلكِ، ولأجل المُتحررين من عُقدة الرعيّة المُسْتغفلة، أنا الثائر لأجل
المُشرأبة أعناقهم عزةً وأنفة.
علمتي من أنا؟، دعيني أكمل .. أنا من لا يحق له أن يكتب
عنك، فالرثاء لا يكتبه إلا الحبيب، لا يكتبه إلا القريب. أما وقد أصبحتي – في
قبرك- حبيبةَ الأحرار، وقريبةً من كُل ثائرٍ مغوار، وحجرةً في عينِ كُلّ طاغية جبّار،
فأذَني لي بأن نتهامس قليلاً. أنا الخجولُ حين أختلس نظْرة إلي صورتك التي ذاع صيتها،
وأُحدّث نفسي : مؤكداً لا يملك القاتل في أولاده كنزاً كهذا، فقتَلها شفاءً
للغليل. مؤكداً أنه نجِسٌ عَكِرْ، وقتَلها لأنّه وجد صفاءً وطهارةً لا يعرفها - الوغد - في عالمه.
الكثيرون بكوا علي فراقك، وحلّت صورتك مكان صورهم
الشخصية تعبيراً عن ألمهم لابتعادك. أنا – يا صغيرة السن – لي عدد السنين اللواتي عشتيهن، الفارق أنّ عداد
عُمرك أنت قد سكَن، وعداد عمري له أجل.. فليس حلّاً منطقياً أن أمكُث سنينَ أخرى أكون
فيها قد سبقتك في السن، وأقول للناس في غطرسة متدنية، أنا أكبر منها، فاسمحوا لي برثائها وأكون قد
أزلت الحرج. ربما ترددت في وضع صورتك، ربما تراجعت، لكنّي لم أتردد في أن أكتب لك
مرسالاً جريئاً أعرفك فيه أني أعبّر كيفما شئت، والقلم لا يخجل!
هذا أنا ..
أكتفي بأن أعرّفك نفسي، بقيّة الكلام يخشى الخروج.
لو بكت مصر علي رحيلك، سأقول لها: أنّ أُنوثتك ربّت
الكثيرين، وأفيدها خبراً بأن مثلك كثيرات، يملأن الميادين ولهنّ في الأسد قوته،
وفي العصفور تغريده. هُنّ لله عِشْن، ولله يطلُبْنَ الشّهادة.
يا هالة .. أنت درسٌ تلقنّاه.
يا هالة .. من في الميادين أهلك، يريدون ثأراً، أو
لحاقاً بك!
يا هالة .. ارقدي بسلام.
البرقيةُ محفوظةٌ حتّى إشعارٌ آخر