Subscribe:

Thursday, 5 July 2012

قصة صغنونة ... جولة داخل السيارة




أوقاتٌ كثيرة يظنُ الشخص أن وجودَه في مكان ما في وقتٍ غيرَ مناسبٍ قد يضعه في موقف محرج للغاية , أو يجعله يرى أشياء ليس من حقه أن يراها .. أو يتدخل في حديث ليس من شأنه  .. ومن الممكن أن تتهيأ له الفرصة ليعرض رأيه ويثبت شخصيته ويفرد ( عضلاته )  .. خيارات وضعتها .. من الممكن الإضافة عليها بما يمكن أن يضاف .

اللي أنا قلته ده مالوش علاقة باللي جي .. ركز بقي في اللي جي :)

يعني اسمع وانت ساكت وعلق في الآخر

 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



في هذه الساعة من الليل يزدحم المترو بالناس  وتتوافد الجموعات والجموعات, وفي كل محطة يتوقف بها يغادر المئات ويدخل مئات آخرون , وكأن القاهرة تلك كجحر النمل به الآلاف المؤلفة من النمل الذي لا ينتهي ولا يمكنك حصر عدده مع كثرته ... الكل يتصبب عرقاً ويحمر وجهه اختناقاً مع الحرارة الشديدة المصاحبة للاحتكاك داخل المترو وأيضاً حرارة الجو التي لا تحتمل , كل ذلك وأنا أجلس علي المقعد لا أبالي ولا أهتم  .. فقط احمل كتاباً اشتريته من مكتبة صادفتها في طريقي إلي المحطة ... فانشغالي بالقراءة لم يدخلني في المعاناة التي يعاني منها باقي العامة , فقط منديل أمسج به عرقي المتصبب خشية علي الكتاب أن يصيبه مكروه وتتساقط عليه قطرات الماء المالح ...
وصلت إلي آخر الخط واتجهت إلي باب المترو وأنا حذر للغاية من أية محاولات للسرقة أو غيرها ... حملت حقيبتي بيدي علي الرغم من ثقل وزنها  ,  وأتحسس جيبي الخلفي والأمامي وأتأكد من وجود هاتفي المحمول ومحفظتي  وأنا متحفز بشدة لأي محاولة تغدر بي ... المهم أني خرجت بأمان من المحطة وأثناء نزولي من علي السلم رأيت من بعيد سيارة تنادي علي ركاب ذاهبون إلي طنطا .. رأيتها وأنا لم أتخط بعد أسوار المحطة وكانت السيارة تبعد بكثير عن بوابة الخروج الرئيسية , المهم اني تمهلت أثناء سيري خوفاُ علي ظهري من الاصابة بسبب ثقل الحمل عليه ووصلت بسلامة الي السيارة وأخذت مكاني وأطلقت العنان لجسدي ليأخد راحته الكاملة علي الكرسي دون مراعاة لمن بجواري .. فلو أرحت أحداً علي قفاك فأنت الخاسر الوحيد .. ولماذا ؟
كنت في كامل نشاطي العقلي  ... وكالعادة بدأ النقاش السياسي الذي لا مجال للهروب منه وانت داخل أي سيارة أجرة , فطبيعة الشعب المصري في تلك الآونة أنه انشغل بالسياسة بشكل مبالغ فيه جعلت من كل فرد يعرض رأياً ..  سياسياً محنكاً !!
انتهي الحديث بسرعة وعاد من بالسيارة الي الهدوء والسكون ...

مشاهد عدة لفتت انتباهي داخل السيارة أثناء ركوبي .. بداية من فتاة في العشرينات حسنة المظهر كانت هي من تتولي تجميع الأجرة من الركاب علي الرغم من وجود بعض الشباب الأخر كانت لهم الأولوية لتولي مهمة كتلك ... وكان باستطاعتي أن أقوم أنا بهذه المهمة لولا أن منعني جلوسي في الخلف من ذلك .
مشهد آخر لرجل كبير في عمر الخمسينات مستغرق في النوم وبجواره سيدة كبيرة كان من الواضح انها  منزعجة من الرجل بشده , وكنت أري علامات التضجر تظهر علي وجهها كلما أدارت وجهها نحوه دون أن أدرك السبب بعد  .. السبب عرفته عندما رأيت الرجل يميل علي السيدة برأسه بطريقة تثير التعجب ... لم تتمالك السيدة نفسها وصرخت في وجهة : ماتلم نفسك بقي يا رااجل وتتعدل بقي بدل ما اعدلك . رد فعل متوقع من سيدة يميل عليها رجل بتلك الطريقة , ومع ذلك ظل استعطافي بالرجل قائم لأنه نائم في ملكوت الله ولا يدري بما حوله ...
ظلت متابعتي للمشاهد قائمة وبدأت أشعر بالملل ... فأخرجت كتاباً وبدأت في القراءة ...
وأثناء قرائتي دار حوار بين رجل يجلس علي يميني ... وآخر علي يساري .. كان من الواضح انهم قادمون من الريف ... ظهر ذلك علي ملبسهم وطريقتهم في الكلام ...

-         أله صحيح يا جمعة عملت ايه في موضوع  الواد ايهاب ابن اختك ؟
-         موضوع ايه يا أخويا !
-         لاجيتله العروسة ولا لسه ...
-         والله ماعارف أجولك ايه يا بو محمد ...
-         اوعي تكون لسه بتدور انت بجالك أكتر من 3 شهور مش عارف تلاقيله عروسة
-         يا جدع دي بجت حاجة تجرف ... الواحد مش عارف العيب بجي فين .. بجي في الواد ايهاب بن اختي ولا في النسوان اللي بيتنكوا علينا ,,, هما مايعرفوش ايهاب ده !! هما يطولوا يتجوزوا واحد في مجامه !
-         يا رااجل استهدي بالله بس ... ركز ودور علي بنت الحلال للي تليج بمجامه وتفكيره .. يعني البت سعاد أخت الواد حسين اللي ساكن في الشارع اللي ورانا .. كيف تجبل بالواد ايهاب وهي داكتورة قد الدنيا وليها عيادتها .. وايهاب ده لسه ماخدش الدابلومة .
-         ده انت بتجلب المواجع بقي !
-         ماجصدش والله يا اخوي .. بس لازم تعرف انت رايح لمين ..
-         هاشوف حاضر ... الله يسهلها .

عيني في الكتاب الذي اقرأه وأذني تسمع تلك التفاصيل .. وفمي مفتوح بابتسامه تنم عن فرحتي بذلك الحديث , كنت أرغب في أن اشاركهم الحديث وأفتح حواراً حول ذلك الموضوع .. لكن خوفاً من رد الفعل ان كان باستصغار سني أو بضرب الطرشة كما يقولون ! بالاضافة لكون الموضوع خاص ليس لي شأن به , فهم يتحدثون في أمور عائلية تخصهم ولا تخصني .. فاكتفيت بالاستماع وأنا أعلق في سري وأستمع الي تكملة الموضوع ...

-         فاكر يا جمعة البت عفاف اللي عايشة في البيت اللي علي ناصية الشارع ؟
-         آه عارفها .. بس دي مخطوبة .
-         فسخت خطوبتها من يومين ... ايه رأيك فيها
-         محترمة أوي بس أن اخايف من أخوهاا .. اخوها شورعجي وبتاع مشاكل
-         والبنت مالها ومال ده كله يا عم بس
-         ماهي اكيد واخدة منه حاجة ..  ده غير أبوها اللي عاملي فيها ريس الحتة وواخد كله بالدراع
-         يا أخي جربها ... انتم هاتروحوا للبنت مش لأخوها ولا لأبوها ..
-         والله ماعاارف ..

دار الحوار وكل من في السيارة بتابعوه ... فأصوات هؤلاء الفلاحين كان مرتفعاً بشكل مبالغ فيه منعني من استكمال القراءة والتركيز معهم , وكل من في السيارة أدركت انهم يتابعون الموضوع أيضاً
وفتاة في المقعد الأمامي التي كانت تجمع الأجرة أيضاً كانت مستمتعة بالحديث وتظهر علي وجنتيها ابتسامة سخرية من ذلك الحديث الفلاحي .. فأسلوبهما في التحدث مميز بطريقة مثيرة للاهتمام .
وانقلب الحديث بينهم عن الفتيات وما يميزهم وكيف يختارون الفتاة للواد ايهاب , ومواصفات تلك البنت التي تتناسب مع جو الفلاحين المرهق والذي يحتاج الي فتاة تساوي علي كفة الميزان رجلين أو ثلاثة رجال من أهل الحضر ..  لاحظت التردد الذي ظهر علي وجه الفتاة الجالسة في الأمام وهي تتابع الحديث وأخرجت هتفها المحمول لتتحدث فيه  ... والخجل قد حمّر وجهها عندما انحدر سقف الحديث الي أمور غير لائقة علي الإطلاق , حينها تضجر بعض الركاب من الحديث وودوا لو أن هؤلاء الفلاحين يغادرون السيارة في الحال ..
وبالفعل اقتربت محطتهم وصرخوا : المحطة الجيا يا اسطي !

نزلوا ونزل معهم 4 آخرين من بينهم الفتاة ... كانوا يعوقون نزولهم من السيارة فنزلوا أيضاً منها ..
وعاد الجميع لحالته الطبيعية  ... من كان نائماً عاد ليكمل نومه , ومن كان يقرأ مثلي عاد ليقرأ ...
لكن حدث أمر عجيب للغاية , فالفتاة التي كانت تجلس في الأمام فقدت هاتفها المحمول !! .. ولا تدري أين هو علي الرغم انه كان بيديها منذ قليل ... شرع الجميع بالبحث في السيارة  وطلبت الفتاة من أحد الركاب أن يرن علي هاتفها المحمول ... فعندما اتصلت به كان مغلقاً .. فتأكدت انه سرق , لكن كيف سرق وهو كان بين أيديها داخل السيارة  وكانت تتحدث فيه !!
رنت مرة اخري وجدته مشغول ! .. تعجبت الفتاة ومعها كل من بالسيارة 
عاودت مرة أخري وجدت أحد الأشخاص يرد عليها , فترددت بشده ولم تستطع التحدث , فأخد منها الهاتف سائق السيارة ليحدث السارق ... وفي حديثه تبين أنه لم يسرق الهاتف , بل وجده علي الطريق فحمله وكان سيعطيه للشرطة ... تذكرت الفتاة أنها كانت تحمل الهاتف في يدها أثناء نزولها لتعدية الشخصين في المحطة السابقة , فمن الممكن انها فقدته أثناء معاودتها للركوب .. نتيجة توترها وعدم تركيزها ( حسبما قالت )

عادت السيارة للنقطة التي فقدت فيها الهاتف .. ومع اعتذار الفتاة لنا عن ما حدث
تقبل الجميع أسفها .. وطلبنا منها الهدوء والتريث , فالهاتف بأمان وأن لا تهتم بتأخرنا نحن ..
لم يبد أحد اعتراضاً مطلقاً ..
حتي انا عطفت عليها وأدركت سبب توترها ,,, ذلك الحديث الذي دار بين الفلاحين
والذي كان من التعقيد والحرج ما يجعل الفتاه تفقد تركيزها ...
تبسمت .. وأغلق الكتاب الذي كنت أقرأ فيه وأدخلته في حقيبتي
ووضعت رأسي علي الحقيبة واستغرقت في النوم ...